الجمعة، ٢٧ مارس ٢٠٠٩

"قريـة ظالمة" أم دولة ظالمة ؟..
ما أشبه الليلة بالبارحة

فى رائعته التى كتبها منذ ما يزيد على نصف قرن، يحدثنا د.محمد كامل حسين
-رحمه الله- عن "قرية ظالمة" واليوم وكل يوم نحن نتحدث عن دولة ظالمة..
قرية اغتالت نبياً لأنها اعتبرته خطراً على وجودها وأمنها, ومنذ ستون عاماً
ونحن نتحدث عن دولة -فرضاً ومجازاً- تغتال كل يوم شرف أمة..
ما أشبه الليلة بالبارحة.
د.محمد كامل حسين أديب وطبيب وعالم ومفكر وفيلسوف مصرى
(1901-1977) جمع بين دقة العلماء وتميز الأدباء فقد نال جائزة
الدولة فى الأدب عام 1957 عن روايته "قرية ظالمة" والتى نعيد
قراءتها اليوم, وحصل أيضاً على جائزة الدولة التقديرية فى العلوم
عام 1966.
و"قرية ظالمة" يقصد بها "أورشليم" وهو المكان الذى تدور فيه
أحداث الرواية..وهى رحلة داخل الفكر والعقلية اليهودية..كيف فكر
هؤلاء القوم فى فعلتهم الشنعاء وهى الخلاص من المسيح -عليه
السلام- بصَلبه (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شُبه لهم..)
كيف قرروها وبرروها ومررتها لهم عقولهم ثم اندفعوا قطيعاً لينفذوها،
كيف أن الإنسان قد يرى طريق الحق والصواب ثم يحيد عنه لمظنة نيل
مصلحة وتحقيق غاية وضيعة سولتها له نفسه على أنها الغاية الكبرى
والهدف السامى، ما دور وتأثير العلماء والمفكرين والقادة على الجموع
التى نصبتهم عقولا وضمائر حية لها ترى برأيهم وتحكم بحكمهم وتسير
خلفهم فى أضيق الخنادق...تلك الأسئلة وغيرها جعلها الكاتب محوراً لروايته.

تنقسم الرواية إلى ثلاثة عناوين رئيسية هى: عند بنى إسرائيل، عند الحواريين،
وعند الرومان وكل منها يندرج تحته عدة فصول.. ينتقل الكاتب ببراعة
من الأسلوب السردى والحكى إلى الفلسفة إلى التاريخ ثم إلى علم النفس
والعقائد والإلهيات..وتبعاً لهذا أجد أنه من الصعب تصنيف هذا العمل فلا
هو بروائى صرف ولا هو فلسفى ولا تاريخى بل هو مزيج من الإبداع
لم يصنعه سوى هذا الكاتب القدير.
ومع مثل هذه الأعمال تقع فى حيرة الانتقاء ولكن لفت انتباهى بشدة ما
قاله أحد كبار القوم للحداد الذى أوكله بصنع أربع مسامير كبيرة للصلب
محاولاً إقناعه بعد ما رأى تردده، وتتعجب جداً من قدرة العقل الإنسانى
على التحايل والمراوغة حتى ظن أنه يستطيع أن يتحايل على رب العالمين
وحاشا لله ذلك.
يقول الرجل: إن أكبر الجرائم إذا وزعت على عدد من الناس أصبح من
المستحيل أن يعاقب الله أحداً من مرتكبيها ، فنحن نحاجه بالتوراة وهو
لا يجوز عليه أن يخالف كتابه. وإذا كان الذى يعلم بالجريمة لا يصنع
أداتها والذى يصنع أداتها لا يعلم عنها شيئاً فإنها تتم فى سهولة، إن هذا
التوزيع يجعل الناس فى حيرة أين يقع عذاب الله.
هكذا ترتكب أكبر الجرائم دون عقاب..
الكتاب ممتع بحق ويدعو للتفكير والتأمل فى أمور شتى ويثير العديد من الأسئلة
وهو من الأعمال القيمة التى يجب ألا تخلو منها مكتبة من يهمه الأمر، ولذا
من الظلم البين أن نختصره فى عدة أسطر..

وأخيراً أقول أن الرواية صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب ضمن
سلسلة تحمل إسم (سلسلة الجوائز) وأصدرتها أيضا دار الشروق،
وغنى عن القول أن أقول أن الإصدار الثانى ضعف سعر الأول
ولذا تجدنى قرأت الأول دون الثانى!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق